فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)}.
اعلم أن من الناس من زعم أن ابن الزبعري لما أورد ذلك السؤال على الرسول صلى الله عليه وسلم بقي ساكتًا حتى أنزل الله تعالى هذه الآية جوابًا عن سؤاله لأن هذه الآية كالإستثناء من تلك الآية.
وأما نحن فقد بينا فساد هذا القول وذكرنا أن سؤاله لم يكن واردًا، وأنه لا حاجة في دفع سؤاله إلى نزول هذه الآية، وإذا ثبت هذا لم يبق هاهنا إلا أحد أمرين: الأول: أن يقال: إن عادة الله تعالى أنه متى شرح عقاب الكفار أردفه بشرح ثواب الأبرار، فلهذا السبب ذكر هذه الآية عقيب تلك فهي عامة في حق كل المؤمنين.
الثاني: أن هذه الآية نزلت في تلك الواقعة لتكون كالتأكيد في دفع سؤال ابن الزبعري، ثم من قال العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وهو الحق أجراها على عمومها فتكون الملائكة والمسيح وعزير عليهم السلام داخلين فيها، لا أن الآية مختصة بهم، ومن قال: العبرة بخصوص السبب خصص قوله: {إِنَّ الذين} بهؤلاء فقط.
أما قوله تعالى: {سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} فقال صاحب الكشاف: الحسنى الخصلة المفضلة والحسنى تأنيث الأحسن، وهي إما السعادة وإما البشرى بالثواب، وإما التوفيق للطاعة.
والحاصل أن مثبتي العفو حملوا الحسنى على وعد العفو ومنكري العفو حملوه على وعد الثواب، ثم إنه سبحانه وتعالى شرح من أحوال ثوابهم أمور خمسة: أحدها: قوله: {أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} فقال أهل العفو معناه أولئك عنها مخرجون، واحتجوا عليه بوجهين: الأول: قوله: {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم: 71] أثبت الورود وهو الدخول، فدل على أن هذا الإبعاد هو الإخراج.
الثاني: أن أبعاد الشيء عن الشيء لا يصح إلا إذا كانا متقاربين لأنهما لو كانا متباعدين استحال إبعاد أحدهما عن الآخر، لأن تحصيل الحاصل محال، واحتج القاضي عبد الجبار على فساد هذا القول الأول بأمور: أحدها: أن قوله تعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} يقتضي أن الوعد بثوابهم قد تقدم في الدنيا وليس هذا حال من يخرج من النار لو صح ذلك.
وثانيها: أنه تعالى قال: {أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} وكيف يدخل في ذلك من وقع فيها.
وثالثها: قوله تعالى: {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} وقوله: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} يمنع من ذلك.
والجواب عن الأول: لا نسلم أن يقال المراد من قوله: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} هو أن الوعد بثوابهم قد تقدم، ولم لا يجوز أن المراد من الحسنى تقدم الوعد بالعفو، سلمنا أن المراد من الحسنى تقدم الوعد بالثواب، لَكِن لم قلتم إن الوعد بالثواب لا يليق بحال من يخرج من النار فإن عندنا المحابطة باطلة ويجوز الجمع بين استحقاق الثواب والعقاب.
وعن الثاني: أنا بينا أن قوله: {أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} لا يمكن إجراؤه على ظاهره إلا في حق من كان في النار.
وعن الثالث: أن قوله: {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} مخصوص بما بعد الخروج.
أما قوله: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} فالفزع الأكبر هو عذاب الكفار، وهذا بطريق المفهوم يقتضي أنهم يحزنهم الفزع الأصغر، فإن لم يدل عليه فلا أقل من أن لا يدل على ثبوته ولا على عدمه.
الوجه الثاني: في تفسير قوله: {أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} أن المراد الذين سبقت لهم منا الحسنى لا يدخلون النار ولا يقربونها ألبتة، وعلى هذا القول بطل قول من يقول: إن جميع الناس يردون النار ثم يخرجون إلى الجنة، لأن هذه الآية مانعة منه وحينئذ يجب التوفيق بينه وبين قوله: {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} [مريم: 71] وقد تقدم.
الصفة الثانية: قوله تعالى: {لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا} والحسيس الصوت الذي يحس، وفيه سؤالان: الأول: أي وجه في أن لا يسمعوا حسيسها من البشارة ولو سمعوه لم يتغير حالهم.
قلنا: المراد تأكيد بعدهم عنها لأن من لم يدخلها وقرب منها قد يسمع حسيسها.
السؤال الثاني: أليس أن أهل الجنة يرون أهل النار فكيف لا يسمعون حسيس النار؟ الجواب: إذا حملناه على التأكيد زال هذا السؤال.
الصفة الثالثة: قوله: {وَهُمْ فِيمَا اشتهت أَنفُسُهُمْ خالدون} والشهوة طلب النفس للذة يعني نعيمها مؤبد، قال العارفون: للنفوس شهوة وللقلوب شهوة وللأرواح شهوة، وقال الجنيد: سبقت العناية في البداية، فظهرت الولاية في النهاية.
الصفة الرابعة: قوله: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} وفيه وجوه: أحدها: أنها النفخة الأخيرة لقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَفَزِعَ مَن فِي السموات وَمَن في الأرض} [النمل: 87].
وثانيها: أنه الموت قالوا: إذا استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار بعث الله تعالى جبريل عليه السلام ومعه الموت في صورة كبش أملح فيقول لأهل الدارين أتعرفون هذا فيقولون: لا فيقول هذا الموت ثم يذبحه ثم ينادي يا أهل الجنة خلود ولا موت أبدًا، وكذلك لأهل النار، واحتج هذا القائل بأن قوله: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} إنما ذكر بعد قوله: {وَهُمْ فِيهَا خالدون} [البقرة: 25] فلابد وأن يكون لأحدهما تعلق بالآخر، والفزع الأكبر الذي هو ينافي الخلود هو الموت.
وثالثها: قال سعيد بن جبير هو إطباق النارعلى أهلها فيفزعون لذلك فزعة عظيمة، قال القاضي عبد الجبار: الأولى في ذلك إنه الفزع من النار عند مشاهدتها لأنه لا فزع أكبر من ذلك، فإذا بين تعالى أن ذلك لا يحزنهم فقد صح أن المؤمن آمن من أهوال يوم القيامة، وهذا ضعيف لأن عذاب النار على مراتب فعذاب الكفار أشد من عذاب الفساق، وإذا كانت مراتب التعذيب بالنار متفاوتة كانت مراتب الفزع منها متفاوتة، فلا يلزم من نفي الفزع الأكبر نفي الفزع من النار.
الصفة الخامسة: قوله: {وتتلقاهم الملئكة هذا يَوْمُكُمُ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} قال الضحاك: هم الحفظة الذين كتبوا أعمالهم وأقوالهم ويقولون لهم مبشرين: {هذا يَوْمُكُمُ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}.
ي {وْمَ نَطْوِي السماء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}.
اعلم أن التقدير لا يحزنهم الفزع الأكبر يوم نطوي السماء، أو وتتلقاهم الملائكة يوم نطوي السماء.
وقرئ {يوم تطوى السماء} على البناء للمفعول والسجل بوزن العتل والسجل بوزن الدلو وروى فيه الكسر، وفي السجل قولان: أحدهما: أنه اسم للطومار الذي يكتب فيه والكتاب أصله المصدر كالبناء، ثم يوقع على المكتوب، ومن جمع فمعناه للمكتوبات أي لما يكتب فيه من المعاني الكثيرة، فيكون معنى طي السجل للكتاب كون السجل ساترًا لتلك الكتابة ومخفيًا لها لأن الطي ضد النشر الذي يكشف والمعنى نطوي السماء كما يطوى الطومار الذي يكتب فيه.
القول الثاني: أنه ليس اسمًا للطومار ثم قال ابن عباس رضي الله عنهما: السجل اسم ملك يطوي كتب بني آدم إذا رفعت إليه، وهو مروي عن على عليه السلام، وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه إسم كاتب كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا بعيد؛ لأن كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا معروفين وليس فيهم من سمي بهذا، وقال الزجاج: هو الرجل بلغة الحبشة، وعلى هذه الوجوه فهو على نحو ما يقال: كطي زيد الكتاب واللام في للكتاب زائدة كما في قوله: {ردف لكم} وإذا قلنا: المراد بالسجل الطومار فالمصدر وهو الطي مضاف إلى المفعول والفاعل محذوف والتقدير كطي الطاوي السجل، وهذا الأخير هو قول الأكثرين.
أما قوله تعالى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
قال الفراء: انقطع الكلام عند قوله الكتاب ثم ابتدأ فقال: {كَمَا بَدَأْنَا} ومنهم من قال: إنه تعالى لما قال: {وتتلقاهم الملئكة هذا يَوْمُكُمُ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 103] عقبه بقوله: {يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيِّ السجل لِلْكُتُبِ} فوصف اليوم بذلك، ثم وصفه بوصف آخر فقال: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ}.
المسألة الثانية:
قال صاحب الكشاف رحمه الله: {أَوَّلَ خَلْقٍ} مفعول نعيد الذي يفسره نعيده والكاف مكفوفة بما والمعنى نعيد أول الخلق كما بدأناه تشبيهًا للإعادة بالابتداء، فإن قلت: ما بال خلق منكرًا؟ قلت: هو كقولك أول رجل جاءني زيد، تريد أول الرجال ولَكِنك وحدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلًا رجلًا، فكذلك معنى أول خلق أول الخلق بمعنى أول الخلائق لأن الخلق مصدر لا يجمع.
المسألة الثالثة:
اختلفوا في كيفية الإعادة فمنهم من قال: إن الله تعالى يفرق أجزاء الأجسام ولا يعدمها ثم إنه يعيد تركيبها فذلك هو الإعادة، ومنهم من قال: إنه تعالى يعدمها بالكلية ثم إنه يوجدها بعينها مرة أخرى وهذه الآية دلالة على هذا الوجه لأنه سبحانه شبه الإعادة بالإبتداء.
ولما كان الابتداء ليس عبارة عن تركيب الأجزاء المتفرقة بل عن الوجود بعد العدم، وجب أن يكون الحال في الإعادة كذلك واحتج القائلون بالمذهب الأول بقوله تعالى: {والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] فدل هذا على أن السموات حال كونها مطوية تكون موجودة، وبقوله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض} [إبراهيم: 48] وهذا يدل على أن أجزاء الأرض باقية لَكِنها جعلت غير الأرض.
أما قوله تعالى: {وَعْدًا عَلَيْنَا} ففيه قولان: أحدهما: أن وعدًا مصدر مؤكد لأن قوله: {نُّعِيدُهُ} عدة للإعادة.
الثاني: أن يكون المراد حقًّا علينا بسبب الإخبار عن ذلك وتعلق العلم بوقوعه مع أن وقوع ما علم الله وقوعه واجب، ثم إنه تعالى حقق ذلك بقوله: {إِنَّا كُنَّا فاعلين} أي سنفعل ذلك لا محالة وهو تأكيد لما ذكره من الوعد. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى} فيها ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنها الطاعة لله تعالى: حكاه ابن عيسى.
والثاني: السعادة من الله، وهذا قول ابن زيد.
والثالث: الجنة، وهو قول السدي.
ويحتمل تأويلًا رابعًا: أنها التوبة.
{أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} يعني عن جهنم. وفيهم ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهم عيسى والعزير والملائكة الذين عُبِدوا من دون الله وهم كارهون وهذا قول مجاهد.
الثاني: أنهم عثمان وطلحة والزبير، رواه النعمان بن بشيرعن على بن أبي طالب.
الثالث: أنها عامة في كل من سبقت له من الله الحسنى.
وسبب نزول هذه الآية ما حكي أنه لما نزل قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِن دَونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} قال المشركون: فالمسيح والعزير والملائكة قد عُبِدُوا، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مَّنَّا الْحُسْنَى أُولئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} يعني عن جهنم، ويكون قوله: {مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} محمولًا على من عذبه ربه.
قوله عز وجل: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأكبر} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الفزع الأكبر النفخة الأخيرة، وهذا قول الحسن.
والثاني: أنه ذبْحُ الموتِ، حكاه ابن عباس.
والثالث: حين تطبق جهنم على أهلها، وهذا قول ابن جريج.
ويحتمل تأويلًا رابعًا: أنه العرض في المحشر.
قوله عز وجل: {يَومَ نَطْوِي السماء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن السجل الصحيفة تطوى على ما فيها من الكتابة، وهذا قول مجاهد، وقتادة.
الثاني: أنه الملك.
الثالث: أنه كاتب يكتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا قول ابن عباس. اهـ.

.قال ابن عطية:

{إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى}.
ولما اعترض ابن الزبعرى بأمر عيسى ابن مريم وعزيز نزلت {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} مبينة ان هؤلاء ليسوا تحت المراد لأنهم لم يرضوا ذلك ولا دعوا إليه، و{الحسنى} يريد كلمة الرحمة والحتم بالتفضيل، والحسيس الصوت وهو الجملة ما يتأدى إلى الحس من حركة الأجرام وهذه صفة لهم بعد دخولهم الجنة لأن الحديث يقتضي أن في الموقف تزفر جهنم زفرة لا يبقى نبي ولا ملك إلا جثا على ركبتيه، و{الفزع الأكبر} عام في كل هول في يوم القيامة فكأن يوم القيامة بجملته هو {الفزع الأكبر} وإن خصص بشيء من ذلك فيجب أن يقصد لأعظم هوله، قالت فرقة في ذلك هو ذبح الموت، وقالت فرقة هو وقوع طبق جهنم على جهنم، وقال فرقة هو الأمر بأهل النار إلى النار، وقالت فرقة هو النفخة الآخرة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا وما قبله من الأَوقات أشبه أن يكون فيها {الفزع} لأَنها وقت لترجم الظنون وتعرض الحوادث، فأما وقت ذبح الموت ووقوع الطبق فوقت قد حصل فيه أهل الجنة في الجنة فذلك فزع بين إلا أنه لا يصيب أحدًا من أهل الجنة فضلًا عن الانبياء، اللهم إلا أن يريد لا يحزنهم الشيء الذي هو عند أهل النار فزع أكبر، فأما إن كان فزعًا للجميع فلابد مما قلنا من أنه قبل دخول الجنة وقد ذهب بعض الناس إلى أن قوله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} يعم كل مؤمن.
وروي عن على بن طالب رضي الله عنه أنه قال عثمان منهم ع ولا مرية أنها مع نزولها في خصوص مقصود تتناول كل من سعد في الآخرة وقوله تعالى: {وتتلقاهم الملائكة} يريد بالسلام عليهم والتبشير لهم، أي هذا يومكم الذي وعدتم فيه الثواب والنعيم.
{يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}.
قرأت فرقة {نطوي} بنون العظمة، وقرأت فرقة {يَطوي السماء} بياء مفتوحة على معنى يطوي الله تعالى، وقرأ فرقة {تُطوى السماء} بتاء مضمومة ورفع {السماء} على ما لم يسم فاعله، واختلف الناس في {السجل} فقالت فرقة هو ملك يطوي الصحف، وقالت فرقة {السجل} رجل كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ع وهذا كله وما شاكله ضعيف، وقالت فرقة {السجل} الصحيفة التي يكتب فيها، والمعنى {كطي السجل} أي كما يطوي السجل من أجل الكتاب الذي فيه، فالمصدر مضاف إلى المفعول ويحتمل أن يكون المصدر مضافًا إلى الفاعل، أي كما يطوي السجل الكتاب الذي فيه، فكأنه قال: {يوم نطوي السماء} كالهيئة التي فيها طي السجل للكتاب، ففي التشبيه تجوز، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {السّجْل} بشد السين وسكون الجيم وتخفيف اللام وفتح أبو السمال السين فقرأ {السَّجل} وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جرير {السُّجُل} بضم السين وشدها وضم الجيم، وقرأ الجمهور: {للكتاب}، وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم {للكتب} وقوله تعالى: {كما بدأنا أول خلق نعيده} يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون خبرًا عن البعث أي كما اخترعنا الخلق أولًا على غير مثال ذلك كذلك ننشئهم تارة أخرى فنبعثهم من القبور، والثاني أن يكون خبرًا عن أن كل شخص يبعث يوم القيامة على هيئته التي خرج بها إلى الدنيا، ويؤيد هذا التأويل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلًا كما بدأنا أول خلق نعيده» وقوله تعالى: {كما بدأنا} الكاف متعلقة بقوله: {نعيده}، وقوله: {إنا كنا فاعلين} تأكيد للأمر بمعنى أن الأمر واجب في ذلك. اهـ.